Some students will change the world

الجمعة، 19 يوليو 2019

التشويش ..



ضَرَبْنا صَفْحَاً بيننا وبين الانتباه وأغفلنا كيف نغوص بفكرنا في شىء واحد ولا يُعَكِّرُ سيْرَ تفكيرنا لائح من الذكريات ، وفَوَّتْنَا ما كان يصنع أجدادنا فكانوا عميقين لدرجة كبيرة كانوا يغرقون بفكرهم في الشىء فيستخرجوا زبدته ويَذَرُوُه عارياً من كل ما كُسِي به ..الآن تشتت التفكير وتشوش بتشوش العصر ،فعصرنا ما يلبث أن يهدأ إلا وينتفض من جديد بثورة جديدة تغرق العقول وتُشْرِبُها خمراً معتقةً من رحيقها ..فينتابنا بين اللحظة والأخرى سَفَرٌ مفاجىء إلى مكان آخر بتفكيرنا وغيابٌ عن الحاضر بجلالته ..فالناس تروح وتغدو في مسكرات الفكر ومشوشات الذهن ..فحتى الصلاة التي كان أسلافنا يستشعرون كل دقائقها فاتت منا وأصبحنا لا ننتبه إلا عند "آمين" و"الله أكبر" و"السلام عليكم ورحمة الله" وأسلافنا وصل بهم خشوعهم وتركيزهم أن غابوا عن سوانح الفِكْرِ والدنيا غياباً شبه تام ..فبُــتِـرت رجل أحدهم في الصلاة لأن ألم البَتْرِ لا يؤثر أمام الخشوع الرهيب ..فوصل تعمقهم إلى حد بعيد ووصل فكرهم في تركيزه إلى حد الكمال ...ففي التركيز نحن نرثي لأنفسنا ..وأيضاً بمجرد أن نمارس شيئاً ما لا نلبث أن نجد لائح من الفكِر اقتحم تفكيرنا عُنْوَةً وذلك ليس لأننا غافلين بل لأننا تركنا عقولنا بلا بابٍ ونسينا ونحن نخرج من شىء أن نغلق خلفنا الباب ..فتسربت منه الأفكار ، ولا أدعي أن عدم التركيز منقصة دائماً فهناك حد طبيعي إذا تجاوزه كان منقصةً لصاحبه ...فشواغل الأيام هي هواتفنا ، حساباتنا ، علاقاتنا ..وما سمحنا له بالدخول في حياتنا كأنه اشترى حصةً من تفكيرنا ..فلا يمرُّ يومٌ أو ساعةٌ أو دقيقة إلا ونفكر فيه ويزداد التفكير كلما زاد غوره في عقولنا ..ويأتي بعد تمركزه التام وسيادته الموثوق منها فيحيل ما نعمل طيفاً لم نحس به وتلعب العادة دوراً فعَّالاً في أن يمر ما نقوم به كأننا لم نُخَلِّف تركيزنا عنه والحقيقة أننا كنا في مكان آخر ..
هذه آفة من آفات العصر "التشويش" أن تملك الحاضر لكن ينغصه عليك أفكارٌ مترسبة للماضي أو أطياف فِكَرٍ عن المستقبل لا تفيد كثيراً في الحاضر ، فيكون التشويش سَقَم متفشي ينهش وقت الحاضر إذا كان في اللاشىء -وأقصد باللاشىء ما كان التفكير فيه تحصيل حاصل - وأوافقك أن هناك أفكار تعبر أمام وعينا فنستضيفها ونُكْرِمُها وتُكْرِمُنا ..فكما يُعتبر التشويش على الآخرين في أعمالهم تصرف رذيل ، ففكرك يشوِّش نفسه بنفسه ويسرق كنز حاضره ...وما لعبته التكنولوجيا في كل شىء وما قامت به من تشويش كان خير مُؤكدٍ أن الانسان ضعيف ، مسجون أهوائه وأفكاره ..وأن كما يحجب الشمسَ الغمامُ فتحجب التكنولوجيا وتشَوِّش أحياناً أنوار التركيز والتخصيص ..فالتشويش آفة والآفات تُعالج وعلاجها مِنَّا أن نَشُدَّ تفكيرنا بحبلٍ من الاهتمام كلما رأيناه يبتعد ليزاول عملاً آخر غير ما نقوم به ..وبالتالي نملك تفكيرنا كل حين وإن هرب فهروبه ثواني عابرة ..ولا يهرب إلا مرات قليلة في اليوم..ومن ملك تفكيره فقد ملك نواصي أموره وملك القرار في حياته .
        
                                                                               أحمد صلاح


هناك 6 تعليقات:

  1. وأيضاً بمجرد أن نمارس شيئاً ما لا نلبث أن نجد لائح
    ...
    أعتقد فيه خطأ...ما نلبث*

    ردحذف
    الردود
    1. أن نمارس شيئاً ما ، لا نلبث ..جملتين غير بعض

      حذف
  2. حبيت إنك شديت اللي بيقرأ لحد ما اديته السبب فالآخر😅🌻

    ردحذف
  3. الموضوع هيبقا أحلى لو بقا مش مصمت وقسمته لفقرات.
    مجرد رأي*

    ردحذف
    الردود
    1. أيوة فعلاً ودا راعيته في المقالات ال بعد كدا

      حذف