Some students will change the world

الجمعة، 5 يوليو 2019

أفكار حول السعادة


فكرتنا عن السعادة لازالت قاصرة ، لم نعي أصلها ولا كيف تكون . ربما نسعد ساعات ، أو دقائق أو ثواني ، لكن سبب السعادة خفيٌّ عنَّا ومحجوب ..لأن بنا اعتياد أن لا نفكر كثيراً ، يكفينا أن نسعد ويكفينا أن نحس بالسعادة .
إلا أننا نلاحظ فيما نلاحظ ، أن أشياء بعينها تسعدنا ، تجعلنا نبتسم ونضحك ونحب أن نشارك تجربتنا السعيدة تلك مع كل الكون ، فنكتب ..نرقص ، نغني ، كل هذه السعادة جزئية لأن المواقف التي تسعدنا هي جزء من حياتنا الكلية ..
السعادة الكبرى تنتج من سعادة الجزئيات ، لن تجد سعادتك الكبرى سائغة يسيرة ، بل ستعاني أن تنالها ، لأن قبل أن تأتيك يجب أن تجعل كل الجزئيات التي تُكَوِّنُ السعادة متحققة ...إنها أشبه أن تجمع ملعقة من السكر وتضعها في كوب الشاي ، قطعة سكر واحدة لا تكفي ، بل يجب أن تضع قدراً كافٍ وهذا القدر الكافي تشارك فيه القطع الصغيرة بدور كبير وإن لم نفطن لذلك .في حياتنا كثير من الجزئيات الشبيهة بقطع السكر ، لو تأملناها بهدوء ، ونحن متفرغون من سطوة البيئة وازعاجها سنحس كأننا ملكنا الدنيا ..تخيل معي أنك حي ، لن تجد غرابة في البداية ، لكن أليس شيئاً سعيداً أن تتكلم وتحس وتشارك الآخرين النشاطات ،وتعايش تلك الحياة البشرية بكل ابداعاتها وانجازاتها ! حقاً هو شىء عجيب وسعيد ، لا يجعلنا فقط نحس بالسعادة بل يجبرنا أن نبحث عن سعادة أكبر ..
قد يظهر لكم الآن ما قصدت بالجزئيات في السعادة ، الجزئيات هي شيء لم ندركه ولم نحس بوجوده لأننا منشغلون عنه ، لا نلقي له بالاً ...لأن في ظننا أنها جزئيات ثابتة ، ليس شرطاً أن تسعدنا ، على الرغم من أن سعادتنا الكبرى تنتج من تلك الجزئيات الغائبة عن وعينا ...هذا بدوره ينقلني إلى نقطة ثانية وهي : الاعتياد يقلص السعادة .
أظن أنك فهمت لِمَ أنت لا تحس بسعادة الجزئيات ، نعم لم تحس بها لأنك اعتدتها . وما تعتاده يفقد بريقه ورونقه بمرور الزمن ، الأشياء التي بكيت عليها وأنت صغير وظننت أنها ستجعلك أسعد البشر ، وبعدما أتت لك ، أخذت دفعة السعادة التي بها كأن السعادة كوب من العصير وارتشفته ، ولم تَعُدْ سعادة في الشىء الذي بكيت عليه .هذا هو الاعتياد الذي لابد أن نواجهه .إن والدتك بجوارك ، لكن تخيل معي لو غِبْتَ سنين عنها ولم ترها ، وعدت لها ، ستكون سعادتك كبيرة جداً ، لماذا ؟ لأنك فقدت وجودها – الذي  كان معتاداً – بجوارك . هذا يوقظنا لشىء مهم ، وهو أن الأشياء السعيدة تحيط بنا جميعاً ، هي حولنا , في كل مكان ، لا تفتأ أن تنبهنا ، لكن نحن مشغولون ، مهتمون بتفاهات كثيرة ، نظل نبكي ونقول أين السعادة ، رغم أنها بنا وحولنا .
يجب أن تنهي أمر اعتيادك لما سيسعدك ، لنجلس مع أنفسنا ، ونحس عظمة أن تكون الأم بجوارنا وعظمة أن تجد صديق يشاركك ضحكتك ..هي أشياء بسيطة في نظرك (السابق) لكن حالياً بعدما تعلم أن السعادة الكلية لن تكتمل إلا إذا كانت دقائق السعادة تمت ، وصرت تشعر بما فيها ..
والانسان لا ينال شيئاً دفعة واحدة ، لأن هذا يجعلنا نتهاون في الجزئيات ، ولا نتقن سعادتها ، ولا نوقف اعتيادنا لها ..لن تجد شيئاً يأتيك كاملاً متمماً ، لأن الحياة مراحل وكذلك سعادة الحياة تأتي على مراحل ..مراحل شاقة وعسيرة لكن بمجرد أن تتقن المراحل الجزئية ، ستصل لما هو أكبر .ووراء كل شىء سعيد سعادة أكبر ، لكن كما قلت لن يعطيك أي شىء نفسه كاملاً في البداية ، هي مراحل عليك أن تجتازها ..وهذا لصالحك .
ففي كل مرحلة من اجتياز الواقع المعتاد ، والنظر إلى الشىء كما لو أنك أول شخصٍ يراه وأول شخص تسعد به ، وسترى معانٍ معينة فيه ، توقظ شعورك ، ويَثِبُ قلبك لها ، ويدق دقات سعادة ووله .
والفكر مُحَرِّك حياتنا البشرية ، القائمة على الفكر والعقل - وإن نأينا عنهم في حياتنا اليومية – والفكر يدير أمر سعادتنا بالمثل ، كما يدير المحرِّك السيارة فتجعلها تقاوم السكون وتشرع في الحركة ..وهذا هو دور الفكر ، يشعل فيك السعادة لو أردت ، ويطفئها إن أردت ..لا أعني بهذا أن ليس للأقدار عمل في السعادة . بل الأقدار تعمل ونحن نعمل ، فأمر كالجزئيات الذي قلته بالأعلى نحن نعمل فيه بفكرنا وشعورنا ، ونستورد منه السعادة .
واعتقاد الإنسان هو الذي يغير تصوره للسعادة ، اعتقادك هو الإناء الذي تُصب فيه السعادة ، الإناء قد يكون ضيقاً ، قد يكون مثقوباً ..قد يكون اناءً كاملاً لا عيب به ، وكذلك الاعتقادات في أمرها .فلا يجب أن تَقْصِرَ فكرك على أشياء بعينها ، وتظن أنها جالبة السعادة ورغد العيش ..لأن انتكاستك إذا لم تجلبه لك ستكون كبيرة ، وستشوش فكرتك عن السعادة.
فيجب أن تكون مرناً ، وتبحث عن السعادة في الشىء من داخله ، لا من الطلاوات الخارجية ...فأن تسعد بكتاب مثلاً ، هو أن تحس بروح الكاتب وتفاعله معك ورغبته النقية في افادتك وتعليمك ، هذا بدوره يسعد سعادة عظيمة ، أما لو أخذت الكتاب مثلاً أنه يسلي ويضيع الوقت فستسعد ، لكنها سعادة ضئيلة مقارنةً لو أحسست الكاتب أستاذك ،وروحاً قريبة منك .
هذه هي السعادة تنشب في داخلنا ، من فكرنا ،من اهتمامنا بها ، لأننا نراها ونريد أن نراها ، ونبحث عنها ولا نودُّ أن نكف عن البحث ، لأن حياتنا بدون السعادة ، قفرة وجدباء . ولا فائدة في أرض قفرة  لم يزورها الماء .والسعادة ليست شيئاً هيِّناً جلبه ، بل تحتاج إلى جهد . وستسعد إن اهتممت بدقائق الأمور ولم تطلب من الشىء أكثر مما فيه ، وإذا اعتقدت وحاذرت في اعتقادك وإذا لم تعتد كل شىء ..



                                                                                        أحمد صلاح 

هناك تعليق واحد:

  1. براااافو عليك بجد برافو الكلام راااائع جدا استمر بجد تحفة

    ردحذف