Some students will change the world

الجمعة، 19 يوليو 2019

تكنولوجيا التواصل الاجتماعي تمزق الروابط الاجتماعية


لأول مرة في التاريخ البشري، لم يعد الإنسان يشعر بالوحدة أو الملل، ولكن هل فقدنا سمةً أساسية من سماتنا البشرية؟
ذاك التفجر الكوني الذي احْدَثَ صيتًا علي تلكَ البسيطة .
إنك على الأرجح تمتلك هاتفًا ذكيًّا، وحسابات على مواقع تويتر وإنستجرام وفيسبوك، وإنك على الأرجح وجدت نفسك في أكثر من مناسبة تتجاهل صديقًا -أو أحد أفراد عائلتك- يجلس معك في نفس الغرفة لأنك منهمك تمامًا في عالمك التكنولوجي الاجتماعي الخاص. هذه التكنولوجيا لن تجعلنا نشعر بالوحدة أو الملل أبدًا، ولكنها –يا للسخرية– يمكن أن تجعلنا أقل انتباهًا لأقرب الأشخاص إلينا، وربما تجعل من الصعب علينا الاختلاء بأنفسنا قليلًا، وكثيرٌ منا يخشى الاعتراف بذلك أحد التغيرات الأساسية التي أَلحظُها أن الناس فقدوا القدرة على تحمل البقاء بمفردهم. أُجرِي جزءًا من الأبحاث الميدانية عند محطات الانتظار وطوابير الدفع في محلات السوبر ماركت، ولاحظت أنه بمجرد أن يكون لدى أي شخص ثانية واحدة فقط من الفراغ سرعان ما يتجه ليمسك بهاتفه ويعبث به. جميع الأبحاث تقول إن قدرة الأفراد على تحمل البقاء بمفردهم تتلاشى. وما يحدث هو أننا نفقد تلك اللحظة التي كنا نستغرق فيها في أحلام اليقظة أو في تأمل الذات، وينتهي بك الأمر وأنت تنظر إلى العالم الخارجي.
هل تهدد هذه المشكلة جميع الفئات العمرية؟
نعم، ولكن الأطفال على وجه التحديد يحتاجون إلى الانفراد بأنفسهم شيئًا ما، فهذه العزلة مطلب أساسي لإقامة حوار مع النفس. فالقدرة على البقاء مع نفسك واكتشافها هي أحد العناصر المهمة للنمو. لكن ما يحدث الآن أن الأطفال الصغار -بدءًا من عامين، أو ثلاثة أو أربعة أعوام– تتاح لهم وسائل التكنولوجيا !!

إذًا، هل تري أننا نَبخس العلاقات الاجتماعية قدرَها؟

بدأ الناس إلى حدٍّ ما ينظرون إلى الآخرين باعتبارهم أشياء. تخيل شخصين في موعد غرامي ويقول أحدهما للآخر: "حسنًا، لديَّ فكرة، بدلًا من أن ينظر كلٌّ منَّا إلى وجه الآخر، لماذا لا نرتدي نظارات جوجل، ولو شعرنا ببعض الملل، أستطيع أن أدخل إلى بريدي الإلكتروني وأتفحصه دون أن تلاحظ؟"، وهذا يمزق العلاقات الأسرية أيضًا. فعندما تبدأ العمة حديثها الممل على مائدة الطعام التي تضم العائلة، تجذب ابنة أخيها الصغيرة الهاتف وتتصفح موقع فيسبوك ليمتلئ عالمها فجأة بالأحداث والأخبار المختلفة، مما يؤدي إلى إفساد التواصل في أثناء العشاء العائلي
ماذا عن الأشخاص الذين يأخذون هواتفهم معهم إلى السرير، من المفترض أنهم ذاهبون إلى النوم فما الذي قد يُشعرهم بالوحدة؟

قابلت عددًا كافيًا من طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية وسألتهم: "أخبروني إذًا، هل تردون على الرسائل المرسلة إليكم في منتصف الليل؟" فكان ردهم: "نعم، بالطبع". وأنا أطلق على هذا أسلوب إثبات الذات وإثبات الوجود من خلال مبدأ "أنا أشارك، إذًا أنا موجود".

إذا كنت تشارك المنشورات مع أصدقائك وترد عليهم في منتصف الليل، فهذا يعني أنك في دائرة مختلفة. وكل هؤلاء يشعرون بمسؤولية الرد، إذ يُتوقع منهم التواصل المستمر. الجميع مستعدون لطلب النصح من أقرانهم والاتفاق مع آرائهم. لقد أجريت دراسة حالة على امرأة شابة لديها ألفا متابع على موقع إنستجرام؛ فكانت تضع على حسابها سؤالًا حول مشكلة ما في التاسعة مساءً، وفي الثانية صباحًا كانت تتلقى الردود وتظل مستيقظة لقراءتها. هذا ما يفعله العديد من الأطفال الساعة الثانية صباحًا.

كيف ينتهي الأمر بمَن يقضي حياته بهذه الطريقة؟

إذا لم ينتبه المرء لهذا الأمر ويتوقف عنه، أرى أنه لن يتطور لديه إحساس بالاستقلالية الذاتية. فلن يستطيع إقامة علاقات شخصية أو مهنية؛ لأنه لا يشعر أنه قادر على التعامل مع الأمور المهمة وحده. ولا شك أنه سيواجه الكثير من المشكلات في حياته إذا اعتاد -في نهاية المطاف- على طلب التصويت على كل شيء يثير حيرته.
ولكن تمهل ، ما الخطأ الذي يحدث هنا؟؟! ألم يعد هناك تعاطف؟!

ليس هناك تبادل حقيقي للأحاديث، كما لو أننا نقول إن التعاطف ليس مهمًّا لإحساس المرء بأن هناك من يفهمه. فقد قرأت عن سيدة تقول أنها لا تمانع في الحصول على شريك حياة آلي، فهي تريد اقتناء أحد هذه الروبوتات اليابانية المتطورة. "أنتِ تعلمين أن هذا الشيء لا يفهمك؟" فأجابت: "أنا فقط أريد شيئًا لطيفًا معي في المنزل، أريد فقط شيئًا لا يجعلني أشعر بالوحدة".

هل تمثل الشخصيات الافتراضية (أفاتار) وتطبيقات الواقع الافتراضي المشكلة نفسها؟

في هذه الحالات ننتقل من الحياة إلى مزيج من الحياة الحقيقية والحياة الافتراضية. وقد أحسن أحد الشباب التعبير عن هذا الأمر عندما وصفه قائلًا: "الحياة الحقيقية هي مجرد نافذة واحدة، وليس من الضروري أن تكون المفضلة لديَّ". نسي الناس أمر الواقع الافتراضي لبعض الوقت، غير أن استحواذ شركة فيسبوك على شركة "أوكيولوس" أعاده إلى أذهانهم مرة أخرى –عالم افتراضي مبهر يقدمه مارك زوكربيرج، حيث يمكنك مقابلة أصدقائك، وحيث يشبه كل مَن فيه أبرز المشاهير مثل براد بيت وأنجلينا جولي، وتعيش في بيت جميل، وتقدم فقط ما تريد أن تقدمه. إننا نتحول إلى التفكير في أن هذه صورة من العالم المثالي.

لكن المشككين يقولون إن شخصية الأفاتار لا تختلف كثيرًا عن الشخصية الحقيقية؟

حسنًا، إننا نمثل طوال الوقت. أنا، على سبيل المثال، أحاول أن أبدو في أفضل حالاتي عندما اكون في مقابلة مع شخص وبالطبع يختلف هذا قليلًا عما أبدو عليه وأنا أتجول في منزلي مرتديةً ملابسي المنزلية. الفرق بين شخصيتك الحقيقية والأفاتار أو شخصيتك على الفيسبوك هو أنك تستطيع أن تُخضع الصورة دائمًا للتحرير. فعندما تشارك سيدة صورة لها وتغير الألوان والخلفية والإضاءة، فهي تفعل هذا لأنها تريد أن تظهر بطريقة محددة. لم يكن متاحًا لنا من قبل أن نجعل الأشياء تبدو كما نريد. والآن، أصبح هذا متاحًا لدينا، ولذا فقد أثار إعجاب الناس كثيرًا 
لحظة تمهلي قليلاً ، أنتِ تعنين أنه كان بإمكاننا اغلاق هواتفنا وممارسة حياتنا دون أن يؤثر هذا علينا؟

لا أستطيع أن أمارس حياتي المهنية أو الشخصية دون استخدام هاتفي أو بريدي الإلكتروني، بل ولا يستطيع الطلبة الحصول على المنهج الدراسي الخاص بهم من دونه. إننا لا نملك خيار الخروج من العالم الذي تهيمن عليه هذه التكنولوجيا. السؤال هو كيف سيمكننا أن نحيا حياةً ذات معنى في وجود هذا الشيء دائم الاتصال والذي يتمحور دائمًا حول الأشخاص؟ بل وانتظر أيضًا عندما تصبح هذه التكنولوجيا داخل الأذنين، أو على ملابسنا، أو في النظارات.

إذًا كيف يمكننا حل هذه المشكلة؟

الحل سيكون من خلال تطوير شكل من أشكال الممارسة العامة، وأعتقد أن الشركات ستُسهم في هذا بعد أن أدركت أنه ليس من الجيد أن يظل الناس متصلين بالإنترنت بشكل دائم. كما ستتدخل معايير وقواعد للذوق والكياسة؛ فعلى سبيل المثال إذا تلقيت رسالة اليوم ولم أرد عليها في غضون 24 ساعة سيشعر الناس بالقلق عليَّ أو سيغضبون مني لأني لم أرد. لماذا؟ أعتقد أننا سنغير توقعاتنا بشأن إمكانية بقاء الشخص متصلاً بالإنترنت طوال الوقت.

هل لديكِ اقتراحات حول كيفية البدء في تحقيق ذلك؟

من بين الأفكار التي توصلتُ إليها أنه ينبغي أن تكون هناك أماكن مقدسة لا يجوز فيها التواصل عبر الإنترنت، مثل مائدة العشاء التي تضم الأسرة، والسيارة. فلنجعل هذه الأماكن لتجاذُب أطراف الحديث؛ لأن المناقشات هي الترياق للعديد من المشكلات التي نتحدث عنها. فإذا كنت تتحدث إلى أطفالك، وإلى عائلتك، وإلى دائرة معارفك وأصدقائك باستمرار فلن تنشأ هذه الآثار السلبية بهذا القدر.

وهل ينبغي لنا التحدث أكثر حول هذه التكنولوجيا؟

رسالتي ليست مناهضة للتكنولوجيا، وإنما هي مؤيدة للتحاور ومؤيدة للروح الإنسانية. علينا إعادة تقييم ثقافتنا السائدة التي تطالب بكل ما هو أكثر وأفضل وأسرع. نحتاج إلى تأكيد أهمية ما نحتاج إليه من أجل تفكيرنا وتطورنا وتحسين علاقاتنا بأطفالنا ومجتمعاتنا وشركاء حياتنا. أما بشأن الروبوت، فآمل أن يدرك الناس أننا نحن مَن خذلنا أنفسنا. وهذا أمر مزعج جدًّا بالنسبة لي، فكأنما نقول إن كلًّا منا لا يقدم للآخر الحديث أو الشعور بالرفقة التي يحتاج إليها. وهذا -في حقيقة الأمر- هو السبب الذي يدفعك إلى التحدث إلى روبوت تعلم جيدًا أنه لا يفهم أي كلمة مما تقول. إننا نخذل بعضنا، فالأمر إذًا لا يتعلق بالروبوت وإنما يتعلق بنا نحن.

إذًا مَن سيوقف هذا القطار الذي نستقله جميعًا؟

الجانب الأكثر إشراقًا الذي أراه هو الشباب الصغير الذي نشأ في ظل وجود هذه التكنولوجيا ولكنه غير مفتون بها، ويستطيع أن يطلب ممن يحادثه عبر الإنترنت أن ينتظر قليلًا؛ لأنهم يرون تأثيرها في تقويض الحياة في المدرسة والحياة مع والديهم. هذا هو الجانب الذي يجعلني متفائلة، ولكنه تفاؤل يشوبه الحذر.

لديَّ العديد من الأمثلة لأطفال يتحدثون مع والديهم، ثم يحدث شيء ما فجأة، فيدخل الأب أو الأم على الإنترنت للبحث، مما يدفع الطفل إلى أن يقول لوالده: "توقف يا أبي عن البحث على جوجل، أريد فقط التحدث إليك". عندما أذهب إلى منتزه المدينة، أشاهد الأطفال يتسلقون حتى الوصول إلى أعلى لعبة التسلق وينادي أحدهم والدته لتنظر إليه، فلا يلقى منها سوى التجاهل، ويعترض الطفل على تجاهله عندما يكون في سن الخامسة أو الثامنة أو التاسعة، ولكن عندما ألتقي بهؤلاء الأطفال وهم في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، فإنهم يتأملون ويتفكرون فيما حدث لهم، فتجد منهم مَن يقول: "لن أربي أبنائي بنفس الطريقة التي نشأتُ عليها". وسيحرصون على وضع قواعد مثل عدم السماح باستخدام الهواتف في أثناء تناول وجبة العشاء.علينا أن نجعل شعارنا "لا داعي لأن أتخلى عن هذه التكنولوجيا تمامًا، لكن ربما يمكنني أن أستخدمها بطريقة أكثر ذكاءً.

                                                                                                                                                                                     A'laa Elmackshen 
              

هناك تعليق واحد: